محمد
(محمد) نبينا صلى اللّه عليه وسلم ورد في الحديث الصحيح عنه أنه قال: “من رآني في المنام فسيراني في اليقظة فإن الشيطان لا يتمثل بي”. وفي رواية: “من رآني فقد رأى الحق”. وفي رواية أنس رضي اللّه عنه: “من رآني في المنام فلن يدخل النار”. وفي رواية: “لن يدخل النار من رآني في المنام”. وفي رواية: “من رآني في منامه فقد رآني حقاً ولا ينبغي للشيطان أن يتصور بصورتي”. وهناك روايات أخر غير هذا وقد اختلف العلماء في معنى الحديث فقال جماعة محل هذا إذا رآه صلى اللّه عليه وسلم في صورته التي كان عليها وبالغ بعضهم فقال في صورته التي قبض عليها ومن هؤلاء ابن سيرين رحمه اللّه تعالى فإنه صح عنه أنه كان إذا قصت عليه رؤياه قال للرائي صف لي الذي رأيته فإن وصف له صفة لم يعرفها قال لم تره ويؤيده حديث عاصم بن كليب ولفظه عند الحاكم بسند جيد قلت لابن عباس رضي اللّه عنهما رأيت النبي صلى اللّه عليه وسلم في المنام فقال صفه لي قال فذكرت الحسن ابن علي فشبهته به فقال رأيته ولا يعارضه خبر من رآني في المنام فقد رآني فإنني أرى في كل صورة لأنه ضعيف وقال آخرون ولا يشترط ذلك منهم ابن العربي رضي اللّه تعالى عنه قال ما حاصله رؤيته صلى اللّه عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك للحقيقة وبغيرها إدراك للمثال فإن الصواب أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا تغيرهم الأرض فإدراك الذات الكريمة حقيقة وإدراك الصفات إدراكاً للمثال ومعنى قوله فسيراني تفسير ما رأى لأنه حق وغيب فكأنما رآني أي أنه لو رآني يقظة لطابق ما رآه نوماً فيكون الأول حقاً وحقيقة والثاني حقاً وتمثلاً هذا إن رآه بصفته المعروفة وإلا فهو مثال فإن رآه مقبلاً عليه مثلاً فهو خير للرائي وعكسه بعكسه ومنهم القاضي عياض رحمه اللّه تعالى حيث قال قوله فقد رآني وفقد رأى الحق يحتمل المراد به أن من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقاً ومن رآه بغير صورته كانت رؤياه تأويلاً وتعقبه النووي رحمه اللّه تعالى فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه رآه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها وأجاب عنه بعض الحفاظ بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفي الثانية تحتاج إليه ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون رؤياه أضغاثاً وهو باطل إذ من المعلوم أنه يرى نوماً على حالته اللائقة به مخالفه لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشيء مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله فإن الشيطان لا يتمثل بي فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شيء مما ينسب إليه عن ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في اليقظة فالصحيح أن رؤيته في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثاً بل هي حق في نفسها وإن رؤي بغير صفته إذ تصور تلك الصورة من قبل اللّه تعالى فعلم أن الصحيح بل الصواب كما قاله بعضهم أن رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كانت بصورته الحقيقية في وقت سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم تحتج إلى تأويل وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائي ومن ثم قال بعض علماء التعبير من رآه شيخاً فهو في غاية سلم ومن رآه شاباً فهو في غاية حرب ومن رآه مبتسماً فهو متمسك بسنته وقال بعضهم من رآه على هيئته وحاله كان دليلاً على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه ومن رآه متغير الحال عابساً كان دليلاً على سوء حال الرائي.
(ومن رأى) جنازته فإنه يحدث في تلك البقعة مصيبة فظيعة وإن رأى أنه شيع جنازته حتى قبره فإنه يميل إلى البدعة وإن رأى أنه قد زار قبره أصاب مالاً عظيماً وإن رأى أنه ابن النبي صلى اللّه عليه وسلم وليس هو من نسله دلت رؤياه على خلوص إيمانه ويقينه ورؤيا الرجل الواحد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في منامه لا يختص ببركته بل يعم جماعة المسلمين وإن رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقد أعطاه شيئاً من متاع الدنيا أو من طعام أو شراب فهو خير يناله بقدر ما أعطاه وإن كان ما أعطاه رديء الجوهر مثل البطيخ ونحوه فإنه ينجو من أمر عظيم إلا أنه يقع به أي وتعب وإن رأى أن عضواً من أعضائه صلى اللّه عليه وسلم عند صاحب الرؤيا قد أحرزه فإنه يدل على بدعة من شرائعه.
(ومن رأى) أنه تحول في صورته صلى اللّه عليه وسلم أو لبس ثوباً من ثيابه أو دفع له خاتمه أو سيفه فإن كان طالباً للملك ناله ودانت له الأرض وإن كان في ذل وهوان أعزه اللّه وإن كان طالب علم نال من ذلك مراده وإن كان فقيراً استغنى أو عزباً تزوج ومن رآه في مكان خراب فإنه يعمر ببركته وإن رآه في داخل مكان جالساً فيه فإنه يكون في ذلك المكان آية وعبرة ومن رآه صلى اللّه عليه وسلم يؤذن في موضع كثر خصبه وعمارته ورجاله وإن رآه أقام الصلاة في مكان وصلى فيه اجتمع الأمر المتفرق بالمسلمين ومن رآه يكتحل فإنه يأمن بصلاح دينه وطلب حديثه وإن رأته حامل أو رآه بعلها فإن الحمل غلام ومن رآه حسناً زائد الحسن فإن ذلك زيادة في دين صاحب الرؤيا.
(ومن رأى) لحيته الكريمة سوداء ليس فيها بياضاً فإنه ينال سروراً وخصباً عظيماً ومن رآه في صورة كهل فإنه يدل على قوة حاله ونصره على أعدائه وإن رآه صلى اللّه عليه وسلم أعظم ما يكون فإن الإمام تعظم رياسته وسلطانه وإن رأى عنقه غليظاً فإن الإمام حافظ لأمانة المسلمين وإن رأى أن صدره أوسع ما يكون وأحسن فإن الإمام يكون سخياً في عطاء الجند وإن رأى بطنه خالياً فإن الخزانة خالية لا مال فيها وإن رأى أصابعه اليمنى مضمومة فإن الإمام لا يعطي الأرزاق وصاحب الرؤيا لا يحج ولا يجاهد ولا ينفق على عياله وإن رأى يده اليسرى مضمومة فإن الإمام يحبس رزق أجناده وأموال الجهاد والصدقات وصاحب الرؤيا لا يؤدي الزكاة ويمنع السائل وإن رأى يده مفرجة الأصابع فإن الإمام يعطي الأرزاق وصاحب الرؤيا يحج ويجاهد وإن رأى يده قابضة أصابعها على كفها انعقدت أمور الإمام وأصابه هم وكذا صاحب الرؤيا.
(ومن رأى) فخذه صلى اللّه عليه وسلم أعظم وأجمل وأكثر شعراً فإن عشيرته يقوون بالمكثرة والمال وإن رأى ساقيه طويلين طال عمر الإمام ومن رآه صلى اللّه عليه وسلم في عسكر وعليه سلاح وهم يضحكون ويعجبون فإن جيش المسلمين ينهزم في تلك السنة وإن رآه في عسكر قليل وسلاح غير تام وتظهر عليهم الذلة والخضوع فإن المسلمين ينتصرون على أعدائهم لقوله تعالى: {لقد نصركم اللّه ببدر وأنتم أذلة.
(ومن رأى) أنه صلى اللّه عليه وسلم يمشط رأسه ولحيته فإنه يدل على زوال هم صاحب الرؤيا وإن رآه في مسجده صلى اللّه عليه وسلم أو حرمه أو مكانه المعروف فإنه ينال قوة وعزاً ومن رآه يواخي بين الصحابة فإنه ينال علماً وفقهاً.
(ومن رأى) قبره صلى اللّه عليه وسلم فإنه يستغني وينال مالاً وإن كان تاجراً ربح في تجارته وإن كان مسجوناً خلص.
(ومن رأى) أنه أبو النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه يفسد دينه ويضعف يقينه.
(ومن رأى) أن واحدة من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم أمه زاد إيمانه فإن رأى أنه يمشي وراء النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه متبع السنة.
(ومن رأى) النبي صلى اللّه عليه وسلم ينظر في أمره فإنه يأمره بأداء حقوق امرأته.
(ومن رأى) أنه يأكل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه يأمره بأداء زكاة ماله ومن رآه صلى اللّه عليه وسلم يأكل وحده فإن صاحب الرؤيا يمنع السائل ولا يتصدق فأمره بالصدقة وإن رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم بلا نعل فإنه تارك الصلاة مع الجماعة فأمره بالصلاة مع الجماعة ومن رآه لابساً خفيه فإنه يأمره بالجهاد في سبيل اللّه تعالى ومن رآه صافحه فإنه متبع سنته.
(ومن رأى) دمه مخلوطاً بدم النبي صلى اللّه عليه وسلم فإنه يصاهر شريفاً أو يناكح العلماء وإن رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم يناوله شيئاً من البقول فإنه ينجو من هم وإن ناوله شيئاً مما يستحب نوعه كالرطب والعسل فإنه يحفظ القرآن وينال العلم بقدر ما ناوله.
(ومن رأى) النبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب فإنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
(ومن رأى) النبي صلى اللّه عليه وسلم أعطاه شيئاً فإنه ينال علماً ويتبع الحق فإن رده عليه فإنه يدخل في بدعة.
(ومن رأى) النبي صلى اللّه عليه وسلم في صورة شاب طويل فإنه يكون في الناس فتنة وقتل وإن رآه هو شيخ كبير فإن الناس في عافية وإن رآه وهو آدم اللون فإنه يترك الصبأ ويحدث نفسه بالتوبة وإن رآه أبيض اللون فإنه يتوب إلى اللّه تعالى ويحسن عمله وتستقيم طريقته ومن رآه يعاتبه أو يجادله أو يرفع عليه صوته فإن ذلك بدع قد أحدثها في الدين.
(ومن رأى) أنه يقبله فلينظر ماذا يروى عنه فليتثبت في ذلك.
(ومن رأى) أنه مات في موضع من المواضع فإنه تموت السنة في ذلك الموضع.
ويعتبر تفسير المنام من العلوم الجليلة التى لا يقوم بالخوض فيها وتفسيرها الا العالم الصادق والتقي
tafsir ahlam انواع الاحلام
أولا : الرؤيه الطيبهوهي بشرى للمؤمن . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر، ولا يخبر بها إلا من يحب
ثانيآ : الرؤيه السيئه
وهي من الشيطان ليُحزنَ بها المؤمن، ولهذا فقد أمرنا رسول الله بعده آداب عن رؤيتها منه البصق عن اليسار (ثلاثاً) الاستعاذة بالله من شرها وشر الشيطان (ثلاثاً) يتحول عن جنبه الذي كان ينام عليه أن لا يتحدث بها ولا يطلب تفسيرها
ثالثآ : أضغاث أحلام
وهي الأحلام المختلطة التي تتداخل فيها الأحداث، ولا تتسق مع أصول التعبير .. ومن أسبابها امتلاء البطن بالشراب والطعام إلى حد التخمة
اداب الرؤى وتفسير الاحلام
الحمد لله1. الرؤيا الصادقة وهي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .( البخاري 6472 ومسلم 4201)
2. والرؤيا مبدأ الوحي .( البخاري 3 وسلم 231 )
3. وصدقها بحسب صدق الرائي ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا . ( مسلم 4200 )
4. وهي عند اقتراب الزمان لا تكاد تخطىء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لبعد العهد بالنبوة وآثارها فيكون للمؤمنين شيء من العوض بالرؤيا التي فيها بشارة لهم أو تصبير وتثبيت على الدّين . ( البخاري 6499 وسلم 4200 ) ونظير هذا الكرامات التي ظهرت بعد عصر الصحابة ولم تظهر عليهم لاستغنائهم عنها بقوة إيمانهم واحتياج من بعدهم إليها لضعف إيمانهم
5. ورؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان وهذا باتفاق الأمة ولهذا أقدم الخليل على تنفيذ أمر الله له في المنام بذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام
6. وأما رؤيا غير الأنبياء فتُعرض على الوحي الصريح فإن وافقته وإلا لم يعمل بها. وهذا مسألة خطيرة جدا ضلّ بها كثير من المُبتدعة من الصوفية وغيرهم .
7. ومن أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب البتة.
8. وأصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية انظر لما سبق مدارج السالكين ( 1 / 50 - 52 ) .
9. وفي حديث أبي رزين عند الترمذي ولا يقصها إلا على وادّ بتشديد الدال اسم فاعل من الوُدّ أو ذي رأي وفي أخرى ولا يحدِّث بها إلا لبيبا أو حبيبا وفي أخرى ولا يقص الرؤيا إلا على عالم أو ناصح قال القاضي أبو بكر بن العربي أما العالم فإنه يؤولها له على الخير مهما أمكنه وأما الناصح فإنه يرشده إلى ما ينفعه ويعينه عليه وأما اللبيب وهو العارف بتأويلها فإنه يعْلِمه بما يعوّل عليه في ذلك أو يسكت وأما الحبيب فان عرف خيرا قاله وإن جهل أو شك سكت انظر : فتح الباري ( 12 / 369 ) .
قال الإمام البغوي : واعلم أن تأويل الرؤيا ينقسم أقساماً ، فقد يكون بدلالة من جهة الكتاب، أو من جهة السنة،أو من الأمثال السائرة بين الناس ، وقد يقع التأويل على الأسماء والمعاني ، وقد يقع على الضد والقَلْب ( أي العكس ) . أ.هـ شرح السنة (12 / 220 ) .
قلت : وذكر رحمه الله أمثلة ، ومنها :
1- فالتأويل بدلالة القرآن : كالحَبْل ، يعبَّر بالعهد ، لقوله تعالى { واعتصموابحبل الله } .
2- والتأويل بدلالة السنة : كالغراب يعبر بالرجل الفاسق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه فاسقاً .
3- والتأويل بالأمثال : كحفر الحفرة يعبَّر بالمكر ، لقولهم : من حفر حفرة وقع فيها .
4- والتأويل بالأسماء : كمن رأى رجلا يسمى راشداً يعبَّر بالرُشْد .
5- والتأويل بالضد والقلب : كالخوف يعبر بالأمن لقوله تعالى { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} والله أعلم
المصدر: الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد